يبدو وكأنه المفتاح السحرى للخروج من الأزمة الخانقة التي تعانى منها البلاد .. لم يتعب المسؤولون أنفسهم قليلا للبحث عن بدائل أكثر أمنا ، لم يجهدو أنفسهم بإعادة النظر في مشروعات تكلف ميزانية الدولة الكثير ، بينما هناك احتياجات أخرى أكثر إلحاحا ، يفرض علينا المنطق توفيرها بدلا من استنزاف طاقتنا ومواردنا فيما هو أقل نفعا وجدوى.
بحت الأصوات المطالبة بفقه الأولويات .. لكن للأسف لم تجد آذانا مصغية من القائمين على إدارة شؤون بلادنا .. بدا إصرارهم على المضي قدما في تلك السياسات نوعا من العناد أو ربما تمسكا أعمى بوجهة نظر أثبتت التجربة مدى خطئها ومدى ماتسببت به من خسارة فادحة يصعب تجاوزها بسهولة .. وبدلا من الاعتراف بالخطأ والتوقف لإعادة تقييم تلك السياسات لجأت الحكومة للحل الأسهل والأسرع ولم يهمها كثيرا أنه الأخطر والأكثر تهديدا لأمننا القومى.
بدا التفكير في "البيع" وكأنه الحل السحرى الناجع لكل الأزمات .. فطرحت ديون مصر للتداول في البورصات العالمية ، وأعلنت الدولة نيتها بيع بعض الأصول والعقارات المملوكة لها من خلال صندوق مصر السيادي ، والذى نقلت إليه أصول وعقارات ومن بينها 126 شركة قابضة وأراضي الحزب الوطني وأراضي مملوكة لديوان عام وزارة الداخلية وملحق معهد ناصر ومجمع التحرير، إضافة إلى ما أعلنته أيضا عن نيتها بيع حصة تتراوح بين 20 و30 % من مجموعة قابضة تضم فنادق حكومية .
لم تتوقف سلسلة البيع عند هذا الحد فقط بل وصلت للإعلان عن دمج أكبر سبعة موانيء تمهيدا لطرحها في سوق الأسهم.
لم تجد الحكومة حلا لأزمتها سوى اللجوء لبيع الأصول المملوكة لها والتي تقدر بـ40 مليار دولار.
بدا بيع أصول تملكها الدولة حلا سحريا في نظر المسؤولين وإن بدا في عيون المراقبين والمتخصصين والخبراء الاقتصاديين خطرا محدقا وكارثة حقيقية ، إلا أن نواقيس الخطر التي دقتها تلك الأصوات لم تجد آذانا مصغية تنتبه للخطر وتعيد تقييم الوضع وتعيد النظر في تلك السياسات الكارثية.
أصبحت سياسة البيع ليس فقط أمرا واقعا ، بل الحل الأسهل والأسرع والأكثر حضورا في التعامل مع أية مشكلة ، سواء تلك الضخمة المتعلقة بديون مصر أو تلك البسيطة المتعلقة بمراكز الشباب.
ومثلما لجأت الحكومة لطرح ديونها في البورصة ، لم تجد لجنة الشباب والرياضة بمجلس النواب حلا لأزمات مراكز الشباب إلا التفكير في بيع أراضيها بالمزاد العلنى وشراء أراض بديلة ، بعدما أوصت بإصدار قرار من مجلس الوزراء بإضافة الهيئات الشبابية والرياضية ضمن أعمال المنفعة العامة وكله بالقانون.
لجنة الشباب لا تنكر حجم المشاكل التي تواجه مراكز الشباب وأهمها القيمة الإيجارية المرتفعة والتي وصفت بأنها إستثمارية وليست إسمية مما تسبب في عجزها عن سداد هذه القيمة المرتفعة وتراكم ديونها ومن ثم إغلاق أبوابها أمام الشباب ، وبدلا من السعي لتحسين أوضاع تلك المراكز وبدلا من البحث عن زيادة المخصصات المالبة لدعمها وحل مشاكلها ودعمها لجأت لجنة الشباب بالبرلمان للحل السريع ، وعلى درب البيع الذى أصبح آفة دولتنا سارت.
قطار البيع السريع ماض في دربه ، غير مكترث بالخطر المحدق الذى ينتظر الشعب المغلوب على أمره والمعرض لإستنزاف موارده ليجد نفسه في النهاية ممزقا تحت قضبان لاتعرف الرحمة. ربنا يستر.
-----------------------------------
بقلم: هالة فؤاد
من المشهد الأسبوعية